المغربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دينيس ليهان .. الرواية السوداء عن أمريكا الحديثة

اذهب الى الأسفل

دينيس ليهان .. الرواية السوداء عن أمريكا الحديثة Empty دينيس ليهان .. الرواية السوداء عن أمريكا الحديثة

مُساهمة  Admin الجمعة يناير 01, 2010 2:29 am

دينيس ليهان .. الرواية السوداء عن أمريكا الحديثة
شارل شهوان





دينيس ليهان، أحد كبار كتاب القصة البوليسية الأمريكية المعاصرة، وكتابه الجديد بعنوان "بلاد عند الفجر" ينتمي الى الأدب أكثر منه إلى البوليسية، حيث يرسم أمريكا في بداية القرن العشرين، تلك السنوات التي رسمت صورة وشكل أمريكا الحديثة. سنوات الغليان والإرهاب والأيديولوجيات المقموعة، التي لم تستطع اختراق شرنقة هذه الأمريكا المنسوجة، وكأنما بخيوط من فولاذ.
هذه الرواية السوداء يمكن أحيانا أن تشبه مقاربة أركيولوجية أو حفرية لغوية في أصل وعمق الفوضى، إن لم يكن هناك قدرة على تفسير كوارثية العالم، فإن هذا الكاتب يحفر بهدف السعي إلى كشف اللحظة التي بدأ فيها بالاختلال، لحظة ضياع البوصلة، وقد يكون هذا سطحيا بمستوى أو درجة جريمة بسيطة، لكنه أيضا بالموازاة متعلق بتاريخ البلاد أو أمريكا بأكمله.
إن رواية الكاتب دينيس ليهان الأخيرة، وهو صاحب روايتي "رحلت صغيرتي، رحلت" و"النهر السري"، والتي نقلتها هوليوود إلى السينما في فيلم أحرز نجاحا كبيرا من بطولة شون بين. إن رواية ليهان الأخيرة تبدو متعلقة أو منبثقة بشكل جيد عن هذا المشروع بالذات، إذ إن صفحاتها الثمانيمائة تتحرك داخل نطاق وبيئة الغليان الشعبي، الذي سيطر في بوسطن عند نهاية الحرب العالمية الأولى. مرحلة أخاذة مثيرة للاهتمام كانت فيها ضواحي المدن الأمريكية الكبرى تتناوب وتتعاقب على التعبئة أو على الأقل تردد أصداء الميول والنزعات الثورية التي كانت أوروبا، وبدون أدنى ريب روسيا هى مسرحها.
إن نشر رواية "بلاد عند الفجر" ضمن سلسلة مصنفة تحديدا "التشويق" أو ثريلر تفاجئ منذ اللحظة الأولى، إذ إن قليلا ما يلجأ النص الروائي هذا إلى الآليات الكلاسيكية للتشويق البوليسي، فالمسألة أن التشويق هنا يتعلق ويعني أمة بأكملها كان من الممكن لمصيرها أن يتحول، حسب ليهان فإن العقد الأول من بداية القرن العشرين يمثل مقدمة للولايات المتحدة المعاصرة، فالروائي يرى في آن واحد أصل ذلك في قمع وخنق الحركات الاجتماعية وبالتالي انعكاس ذلك على الحقبة، كانت حقبة في الواقع موازية لحقبتنا الحالية، ومثلا مطبوعة بالأزمة الاقتصادية والاضطراب الأيديولوجي وأيضا الإرهاب، اقتصر الأمر على بعض القنابل المعزولة المتفرقة، لكن سيان إذ إن البلاد كانت تشهد اعتداءات على أرضها بالذات تعدها وتقوم بها جماعات متطرفة راديكالية مؤلفة بشكل أساسي من مهاجرين أوروبيين.
من أجل تأليف جداريته، يتبع الروائي ليهان مصيرين ينتهي بهما الأمر بأن يتقاطعا، أولهما خاصة لوثر، وهو شاب أسود لا يملك أوراقا قانونية ويقطن بوسطن، حيث كان يراقب ويعاين بإعجاب وانشداه وذعر الانبثاقات والتفجرات الأيديولوجية عند البيض، معتبرا إياها مبررة، وإنما أيضا مغفلة متناسية جماعته بالذات السود، والمصير الثاني هو خاصة الأيرلندي داني وهو شرطي شاب متعجرف يحتك بالإرهابيين ويخوض العمل النقابي الخاص بالشرطة، وهى تعبئة سوف تقضي عليها السلطات في مهدها معتبرة اياها بمثابة اختراق بولشفي.
حول الرجلين كان ثمة عدد كبير من الأسماء التي لم تكن غالبا تتجسد ولكن كان هناك أيضا خلفية كثيفة زاخرة يحفزها بين فترة وأخرى كاتب متمرس بارع بكيفية تأليف الحبكة بطريقة مثيرة. إن ليهان هو أقل تأنقا ككاتب منه كمؤلف حبكة. ما هو في المقام الأول بالنسبة إليه هو تشابك أو ربط الوقائع بعضها بالبعض الآخر على طريقة جيمس ايلروي، الروائي المعروف، في روايته "الصحف الأمريكية الصغيرة"، هذه الرواية الهائلة حول الولايات المتحدة من الأربعينيات حتى الستينيات.
ثمة الكثير من المهارة لدى ليهان، لكنه أحيانا متحذلق أكثر من اللزوم. إن كان هناك احتمال لثورة في بوسطن، فإن معايير الرواية البوليسية في المقابل لم تتفكك أو تتزحزح في النص. في أوقات ما تأتي بالنتيجة المطلوبة وتفرض أجواء من الإثارة وأحيانا تعكس بكل بساطة أجواء فاتنة، وعلى سبيل المثال حين يصور لنا الإرهابية الايطالية المخيفة والفاتنة ذات الشفتين المكتنزتين والقامة المغرية.
تبرز براعة ليهان في أنه يجمع بين عدة عناصر ويتجلى لجوؤه إلى هذا في ابتداعه دورا ثانويا خارجيا غير متوقع في النص، يلجأ إليه بشكل متواتر لخلق مساحات تشكل رابطا بين مختلف أجزاء القصة، أو مدخلا يترك القصة معلقة مفتوحة على التأويلات، وهذا الدور أسنده إلى أحد نجوم رياضة البيسبول كان لجأ بنفسه الى الإضراب ترويجا لمطالبه. في الفصل الأول نجد أنفسنا نتابع مباراة مرتجلة وشيقة يغتنمها الكاتب لعرض براعته التقنية في الكتابة، بين دقة التفاصيل والتواتر السريع في مجريات القصة يجد الكاتب في الرياضة تجسيدا بارعا لطموحه، أن يسعى كما لاعب البيسبول للتوفيق بين صرامة القواعد السردية الاجتماعية والطاقة الكامنة في الغموض التاريخي والسياسي، وإن كان المستحيل الفوز على الدوم، إلا أن الصورة تبقى مطبوعة في أذهاننا، صورة أمريكا كمباراة شاقة صعبة لاهثة لا تعرف دوما نتيجتها.

Admin
Admin

المساهمات : 242
تاريخ التسجيل : 19/12/2009

https://magribi.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى